في الوقت الذي يوجه فيه الإرهاب القاعدي بمختلف مسمياته وتنظيماته المنتشرة في سوريا والعراق ولبنان وليبيا وغيرها، ضرباته العنيفة ضد المدنيين والقوات الأمنية والعسكرية والبنى الأساسية في تلك الدول العربية المستهدفة، يتجه معسكر التآمر والعدوان على المنطقة ومن معه من القوى الرجعية والظلامية بالمنطقة نحو تعويم الإرهاب من خلال تقديم بعض جماعاته وتنظيماته على أنها “معارضة معتدلة” على النحو الواضح والمعلن من قبل معسكر التآمر والعدوان على سوريا حيث يسعى إلى توظيف مؤتمر فيينا الثاني الذي ينطلق اليوم بالعاصمة النمساوية في تعويم صنيعته من العصابات الإرهابية عبر عملية فك وتركيب جديدة للعصابات الإرهابية، ودمج بعضها أو معظمها وإعطائها مسميات جديدة، وتعليبها في صورة منتج جديد تحت اسم “معارضة سورية معتدلة”.
ولذلك، لم يكن إعلان معسكر التآمر والعدوان على سوريا عن ما يسمى “جيش سوريا الجديد” والحديث عن دوره في محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي” والإعلان الأميركي أنه قام بتزويد الجيش الجديد (أو بالأحرى الإرهاب بثوبه الجديد) بأسلحة نوعية ومختلفة، إلا مقدمة تسبق مباحثات فيينا اليوم السبت تمهيدًا لاحتمال الإعلان عن الإرهاب القاعدي بثوبه الجديد إذا ما واتت الظروف ومناخات سير المباحثات وتقديم هذا اللون من الإرهاب على أنه “معارضة معتدلة”.
صحيح أن مجرد قبول الأطراف جميعها، سواء تلك المتضررة من الإرهاب والمستهدفة به ونعني بها سوريا وحلفاءها، أو تلك الأطراف المنتجة لعصابات الإرهاب والمراهِنة عليه في تثبيت أقدامها لتحقيق مشاريعها التدميرية والتخريبية في المنطقة، قد كسر حواجز كثيرة كان محرمًا اجتيازها أو قفزها، وأنه يمكن الوصول إلى أرضية مشتركة إذا ما توافرت الإرادة والرغبة بخاصة لدى القوى الداعمة للإرهاب والمراهِنة عليه. إلا أنه على الرغم من الجلوس على طاولة اجتماع فيينا لا تشير تفاصيل الصورة إلى نقلة نوعية يمكن البناء عليها في تحقيق اختراق لافت وسريع يعجل بالحل السياسي، حيث تبدو في التفاصيل أطراف بيدها خناجر الإرهاب وسواطيره، وفي الأخرى حقائب الأموال لدعمه إلى ما لا نهاية، ظانة أنها بذلك ستعمل على مداواة أحقادها وكراهيتها وإشفاء غليلها من سوريا شعبًا وجيشًا وقيادةً. فعملية التعويم للإرهاب ومحاولة تغيير أثوابه وجلوده والزعم بأنه “معارضة معتدلة” لا تعطي إشارة على تحول كبير نحو الحل السياسي، إذ إن عنصر الإصرار والتجاذب بين جميع الأطراف سيكون سيد الموقف، بين من يمسك بتلابيب الحقيقة بأن كل من يحمل رشاشًا أو مدفعًا أو قنبلة أو حتى سكينًا ضد الدولة السورية وشعبها وجيشها هو إرهابي، وبين من يسعى إلى التلاعب بالألفاظ والمسميات بتعويم الإرهاب وتقديمه على أنه “معارضة معتدلة” من بوابة محاربته تنظيم “داعش” الإرهابي، في حين كل الوقائع أثبتت أن الإرهاب بجميع تنظيماته وجماعاته ومسمياته يلتقي مع هدف واحد وهو التدمير والقتل. والاقتتال فيما بينها راجع إلى عامل الرغبة في الاستحواذ والنفوذ على أكبر رقعة من الأرض، بناء على ما تتلقاه من أسيادها الداعمين والممولين الذين التنافس بينهم على أشده في إلحاق أكبر قدر من القتل والدمار والتخريب بحق الدولة السورية وشعبها وجيشها وقيادتها.
إذًا، نتائج اجتماع فيينا الثاني كفيلة هي الأخرى بكشف المزيد من الحقائق خاصة بعد دعوة الحكومة السورية والمعارضة والتوجه نحو فرز قوائم الإرهاب وعصاباته.