احتلت القضايا الدولية وأهمها مكافحة الإرهاب والفقر وحماية البيئة، ودعم التحركات الدولية لإرساء قيم العدالة والحس الإنساني المشترك عبر الالتزام بقوانين الشرعية واحترام المواثيق المنظمة للعلاقات على المسرح الدولي، مكانة مهمة في اهتمامات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه.
فالنظرة إلى حماية البيئة والمحيط الحيوي وأهمية المحافظة على سلامتهما وصحتهما، كالنظرة إلى الإنسان وقيمته ودوره في قيادة التنمية والأمن والاستقرار والرخاء، وكالنظرة إلى تعزيز البيئة العلمية على مستوى العالم، تتمتع بنفس الشمول. وكما أن أرفع المعايير الثقافية لأي شعب يمكن أن تعود بالنفع على شعب آخر، والدليل على ذلك انتشار مخرجات المعاهد البحثية في مجال العلوم التطبيقية على مستوى العالم انطلاقًا من جامعات بعينها أو مراكز بحثية في دولة بعينها من العالم، فإن الجهود لمعالجة مشكلات البيئة تعود بالنفع على كل دول العالم أيضًا.
تلك النظرة الشاملة والرؤية الرفيعة والفكر الخلاق، سواء في حقل البناء الإنساني أو في حقل العلم أو فيما يتعلق بحماية البيئة أو غير ذلك، كانت حاضرة لدى جلالته ـ أبقاه الله ـ منذ بزوغ فجر النهضة المباركة في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م، حيث إن أحد أوجه التميز العقلي لنفر من البشر عن غيرهم أنهم يلمحون أشياء ويدركون قيمتها ويقدرونها، في الوقت الذي يكون فيه الآخرون غير مكترثين بإمعان النظر في قيمة تلك الأشياء. ولعل الأرض التي ندب عليها نحن البشر تمثل تلك القيمة التي يقدرها ذوو الحساسية الخاصة بالنسبة لإدراك الأشياء على نحو استباقي، وهذا هو ما يعرف بالريادة في المجال البيئي، وهذه الريادة في إدراك قيمة الأرض وما يحيطها من غلاف، وما تحويه من موجودات، سواء على ظهرها أو في باطنها تحتفظ السلطنة لنفسها بقدر كبير منها، حيث تجلى الحرص المبكر على حماية البيئة في تلك المزاوجة في الرؤية التنموية التي دارت بخلد جلالة السلطان المعظم، وهي مزاوجة بين اعتبارين لا انفصام بينهما وهما الاعتبار البيئي جنبًا إلى جنب مع اعتبارات التنمية، وكان ذلك الفكر قد أخذ في التحول من حيز الرؤية إلى حيز التطبيق العملي في أرض الواقع ليصبح أمام الرأي العام تجربة عملية مساحتها في عمر خمسة وأربعين عامًا من الاندماج القوي بين مفردات التنمية ومفردات البيئة. فكم من توجيهات سامية صدرت ومراسيم سلطانية تستهدف صون الحياة الفطرية والمفردات البيئية التي وهبنا الله إياها، واضطلع بتنفيذ تلك التوجيهات والمراسيم أجهزة إدارية أمينة في عملها، ما جعل البيئة ذات قيمة كبيرة لدى العمانيين والاحتفاء بها سمة سلوكية لديهم.
ولما كان هذا الوعي الكبير وهذه النظرة البعيدة حول البيئة ودورها وأهميتها لدى السلطنة قيادة وحكومة وشعبًا، كوعيها بأهمية الحوار في حل القضايا الخلافية، فمن الطبيعي أن تبادر بلادنا إلى صياغة هذا الوعي في صورة مفردات وفعاليات تأخذ طريقها هي الأخرى نحو خدمة الإنسانية والبشرية جمعاء، والإسهام في مكافحة التصحر والاهتمام بالبيئة ورعاية وابتكار وسائل المحافظة عليها، وربط هذه الرعاية ببرامج التنمية المستدامة، وهو النهج الحميد الذي أرسى دعائمه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم من خلال مبادرته الكريمة عام 1989 بتخصيص جائزة لصون البيئة تمنح لمن يقدم خدمة جليلة للعناية بالبيئة من أفراد أو مؤسسات على مستوى العالم، تحمل اسم جائزة السلطان قابوس لصون البيئة التي ستحتفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في الأسبوع الأول من نوفمبر المقبل في حفل يقام في بودابست بالمجر ضمن فعاليات منتدى اليونسكو للعلوم بتسليم جائزة اليونسكو ـ السلطان قابوس لصون البيئة لعام 2015 في دورتها الثالثة عشرة لمجموعة البحث بشأن الأراضي الرطبة التابعين لجامعة بوانوس آيرس بالأرجنتين لعملها الجبار في مجال حماية البيئة من خلال شتى البحوث والدراسات التي أجروها بشأن النظم الإيكولوجية في الأراضي الرطبة ومختلف المبادرات التي اتخذوها في مجال التربية البيئية والتدريب بشأنها.
نعم ستظل جهود السلطنة في خدمة القضايا الإقليمية والعالمية بما يحقق الخير والرخاء والأمن والاستقرار لشعوب العالم أجمع، وستظل كذلك جائزة السلطان قابوس لصون البيئة وكراسي السلطان قابوس، والجوائز الدولية الممنوحة لجلالة السلطان المعظم، تعبر عن فكر إنساني رفيع، وعن الحكمة الناظمة والنظرة الثاقبة.