خميس التوبي
مجددًا تخفق منظمة التعاون الإسلامي في قمتها الثالثة عشرة في رأب الصدع وجسر الهوة، وبدلًا من أن تتقدم خطوة إلى الأمام قفزت إلى الوراء خطوات، لتعكس الواقع المرير والمخزي الذي باتت عليه أمة العالمين العربي والإسلامي، وتسلط الضوء على دروب المهالك والمزالق التي تسير عليها وتقودها قوى تبرهن على دورها التاريخي في قيادة هذه الأمة نحو الفتن والفرقة والصراعات الطائفية والمذهبية والشتات والتمزق، وعلى تحالفاتها لدعم كل مشروع يهدف إلى هدم كيان الأمة، وتبنيها مشاريع الأعداء واستعدادها في سبيل خدمة هذه المشاريع لمواصلة هذا الدعم بكل الوسائل المتاحة حتى إيصالها إلى شاطئ التحقق والنجاح.
لقد كانت قمة التعاون الإسلامي في مدينة اسطنبول نسخة طبق الأصل للقمم العربية وخاصة القمم التي خرجت من رحم “الحريق العربي” منذ العام 2011م، ما يعني أن الخبرة العربية بتراكمات سنيها كانت حاضرة بقوة، بل إنها هي التي تدير جلسات القمة وتُسيِّرها، بدايةً من تحويلها إلى سوق عكاظ يتبارى في ميدانها أهل النخوة والنشامى، وأهل المروءات والشيم، وصولًا إلى صوغ مشروع بيانها الختامي.
المثير للسخرية أن قمة التعاون الإسلامي انعقدت تحت شعار “الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام”، لكن أروقتها عكست أضداد الشعار، وأبانت أن قصائد سوق عكاظ الافتتاحية من قبيل “المدح الذي يشبه الذم” ولتقديم الأمثلة على شواذ القاعدة، ومخالفة الكلام لواقع الحال، ومناقضة الظاهر للباطن، وكذلك على طريقة “أكلوني البراغيث”.
على أن الأكثر سخريةً، وضحكًا على الذقون، هو أنه في الوقت الذي دعت فيه دول في كلماتها الافتتاحية تحت قبة القمة إلى محاربة الإرهاب كانت خارجها تواصل دعم وتمويل الإرهاب والقتل والعنف بحق المسلمين والعرب في سوريا وليبيا والعراق والصومال والجزائر وغيرها، وفي الوقت الذي طالب فيه بيان القمة الختامي بأن تكون علاقات التعاون بين الدول الإسلامية وإيران “قائمة على مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها” كانت دول شاركت في إعداد البيان تواصل تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية في سوريا ولبنان والعراق وليبيا ومصر والجزائر وتونس والصومال وباكستان وأفغانستان وغيرها، وتدعم عصابات التكفير والتفجير والإرهاب لنقل الموت المجاني بحق المسلمين والعرب في تلك الدول العربية والإسلامية.
والأكثر سخريةً وضحكًا على الذقون أيضًا، هو أن القمة أكدت “ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام في وقت مبكر لوضع آليات لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، تنفيذًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية”. كما أكدت على مركزية قضية فلسطين والقدس بالنسبة للأمة الإسلامية، إلى جانب “دعمها المبدئي لحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حق تقرير المصير وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف”. في حين كان كيان الاحتلال الصهيوني يرد على هذه الديباجة المملة والممجوجة على طريقته الخاصة ـ كما في كل مرة ـ حيث أعلنت سلطات الاحتلال عن مخطط سرقة جديد من أراضي الضفة الغربية لتسمين مستعمرات الضفة المتصلة والمعزولة، وذلك بإنشاء 229 وحدة سكنية استيطانية لمواكبة النمو السكاني المتزايد لقطعان المستوطنين، في حين يتواصل مسلسل الإعدامات الميدانية وانتهاك حق الأسرى الفلسطينيين الذين تعج بهم سجون الاحتلال الإسرائيلي، وفي وقت لم يبقَ من القدس المحتلة وهويتها العربية والإسلامية سوى اسمها.
فإذا كانت القمة الأولى لمنظمة التعاون الإسلامي “منظمة المؤتمر الإسلامي آنذاك” قد انعقدت على وقع جريمة إحراق المسجد الأقصى في الحادي والعشرين من أغسطس عام 1969م بيد الحاقد المدعو مايكل دينس روهان، ولم تفعل شيئًا إزاء هذه الجريمة التي مرت بردًا وسلامًا على كيان الاحتلال الصهيوني، فإن تالي القمم ماذا يمكن أن تفعله، خاصة بعد تفجر “الحريق العربي” وتصدر مشهده قوى محسوبة على العروبة والإسلام بتكفلها بإنجاز مشاريعه وأهدافه المدمرة للأمتين العربية والإسلامية لصالح مشروع الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة وخدمة مصالح داعميه وحلفائه الاستراتيجيين، بل إن كيان الاحتلال الصهيوني قد بدأ مشروع الضم الكامل والقسري لمنطقة الجولان السوري المحتل، ويسانده في تحقيق مشروعه أزلام نسبت إلى “المعارضة السورية” كأمثال المدعو كمال اللبواني الذي عرض تمليك أسياده الصهاينة الجولان السوري مقابل شنِّهم عدوانًا إرهابيًّا غاشمًا على سوريا التي يدَّعي انتماءه إليها. كما أن هذا الدعم والإسناد لم يقتصر على العملاء في المعارضة السورية، وإنما تسانده قوى عربية وإقليمية بقوة، وتستميت في ذلك، باذلةً المال ومستعدةً للتضحية بالنفس من أجل أمن شقيقها كيان الاحتلال الصهيوني وبقائه وهيمنته على المنطقة. ولذلك انعقاد القمم العربية والإسلامية بعد “الحريق العربي” بات جزءًا مكملًا ومشرعًا للإرهاب والتدمير باسم “الإسلام” وباسم “العروبة” لصالح كيان الاحتلال الصهيوني وتعميم مشروعه في المنطقة.