خميس التوبي
إقدام كيان الإرهاب الصهيوني على جريمة هدم منازل أسر فلسطينية بحجة أن أبناءها نفذوا عمليات أو ساعدوا على تنفيذها في محافظات الضفة الغربية، ليس أمرًا جديدًا أو غير مسبوق يلجأ إليه كيان الإرهاب الصهيوني، كما لن يكون آخر جريمة يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، فمن أفنى قرى ومدنًا فلسطينية بأكملها بكل ما فيها من بشر وشجر وحجر، وأباد السواد الأعظم من كل جيل فلسطيني، لا يعد هدم سبعة منازل أوحتى سبعمائة شيئًا كبيرًا في سياسته الإرهابية الإجرامية الاحتلالية القائمة أساسًا على مخطط اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتهويدها وطمس هويتها العربية والإسلامية. إلا أن الجديد في الأمر هو أن يتحول كيان الاحتلال الصهيوني في وحشيته وإرهابه ودمويته وكراهيته وجرائم حربه إلى قدوة تتطلع إلى الاقتداء بها قوى وتنظيمات مارست طوال عقود الخداع والتعتيم على أدوارها الوظيفية بتمظهرها ـ نفاقًا ـ أنها تناصب هذا الكيان الإرهابي الاحتلالي العداء، وتدعم الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المسلوبة وحريته وكرامته.
إن من يتابع حال الشعب الفلسطيني وأوضاعه، ويقارنها مع حال أشقائه من الشعوب العربية التي تكتوي بنار الإرهاب والاحتلال والعنف والقتل والتدمير والتخريب، يجد أن مصيرها واحد وإن اختلفت اليد الفاعلة الآثمة، لكنها في الهدف والنتيجة تبرز التكامل والتناغم بين أيادي الإرهاب والإجرام والخراب في فلسطين وخارجها، وفي النتيجة والهدف أيضًا تُميز بين الطرف الأصيل والطرف الوكيل الذي ما انفك يقدم فروض الولاء والطاعة للطرف الأصيل، وأنه العبد والخادم المخلص والركن الركين في تدمير الأمة من أجل الولاء للنجمة السداسية التي تتوسط الخطين الأزرقين على الرقعة البيضاء، واللذين يرمزان لنهري النيل والفرات؛ أي الولاء الكامل لخدمة مشروع الاحتلال الصهيوني في المنطقة.
وما يلاحظ إزاء هذا المشروع هو أن الطرف الأصيل (كيان الاحتلال الصهيوني) يعمل من داخل فلسطين المحتلة من أجل تعبيد الطريق أمام تحقيق الهدف/الحلم التلمودي المسمى “الدولة اليهودية”، ونحو تحقيق هذا الهدف/الحلم تمضي آلة الإرهاب والاحتلال الصهيونية في اقتلاع الشعب الفلسطيني، متخذة حججًا وذرائع من هدم منازل المقاومين للإرهاب والاحتلال الصهيونيين، والاستيلاء على أملاك الغائبين، والاعتقال اليومي التعسفي، والإعدامات الميدانية والحصار والتجويع. فيما يستكمل الطرف الوكيل (قوى وتنظيمات إرهابية) تعبيد الطرق خارج فلسطين المحتلة وبإشراف وتوجيه مباشريْنِ من الطرف الأصيل وحلفائه الغربيين، وتسير الأدوار الوظيفية تحت حجج وذرائع كاذبة وواهية ومفضوحة؛ تارة بحجة “دعم” الشعوب ـ المستهدفة بالإرهاب والقتل والتهجير والتدمير ـ ضد أنظمتها “القمعية/الديكتاتورية” وتارة باسم الطائفية بحجة نصرة مكون إسلامي ضد مكون آخر؛ لأن هذا الآخر (كافر ورافضي ومجوسي). ومن يرجع إلى آيديولوجيات هذه القوى والتنظيمات الإرهابية وخلفياتها الدينية وأدبياتها وسلوكياتها الاجتماعية، يجد أنها صورة طبق الأصل أو شقيقة للآيديولوجيات الصهيونية وأدبياتها وسلوكياتها الاجتماعية.
هذا التكامل الآيديولوجي والتاريخي أخذت حقائقه تظهر على أكثر من صعيد، حيث حروب الوكالة التي تقودها قوى وتنظيمات إرهابية في المنطقة، وقودها البشر والجاهلية؛ ولذلك ليس مستغربًا أن يتزامن ـ على سبيل المثال ـ هدم منازل الأسر الفلسطينية السبعة في الضفة الغربية مع استخدام تنظيم “داعش” الإرهابي السلاح الكيماوي (غاز الخردل) ضد الجيش العربي السوري في دير الزور، وليس مثيرًا للدهشة أيضًا أن يوعز كيان الاحتلال الصهيوني (الطرف الأصيل) إلى الطرف الوكيل بمحاولة خرق الهدنة في سوريا بما يؤدي إلى انهيارها وخلط الأوراق والتشويش للتملص من طلب غلق الحدود التركية مع سوريا، وتفجير الأوضاع بالقرب من الحدود الروسية كما هو حال إقليم ناجورني قرة باخ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا، فيما تواصل آلة الإرهاب والحرب والاحتلال الصهيونية فعلها الوحشي بحق الشعب الفلسطيني؛ لأن توقف استباحة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المستهدفة وأرضها وحقوقها ومقدراتها يعني توقف تمدد مشروع الاحتلال الصهيوني.
ولعل ما يؤكد هذا التكامل التاريخي والآيديولوجي الذي أشرنا إليه، ليس فقط مظاهر الدمار وهدم المنازل على رؤوس أهلها وتدمير البنية التحتية، وتهجير السكان وتشريدهم، والإعدامات اليومية في كل قطر عربي مستهدف، وإنما أفق العمالة والخيانة والوكالة في المنطقة والذي تتسيده (قوى معروفة وتنظيمات إرهابية) يشي بأن ما في جعبتها الكثير ومستعدة للإيغال ـ إلى ما لا نهاية ـ في الدم العربي والإسلامي ونسف مجتمعات أخرى ، اعتقادًا منها أن توقفها عن ذلك يعني أنها تكتب نهايتها بأيديها، في حين يوقن كيان الاحتلال الصهيوني أن هذه الخدمة (بهويتها العربية والإسلاموية) لمشروعه التلمودي بعلمه المرصع بنجمته السداسية الداوودية إن لم تنجز المشروع فلن تتكرر بعد ذلك. غير أن ما لم ينتبه إليه الأصيل والوكيل هو أن الاحتلال والعمالة والخيانة داء، والانتماء للوطن والولاء له والصمود والإرادة دواء، ومثلما يصنع السوريون الشرفاء والوطنيون المخلصون لسوريا قوس النصر، سيصنع الشرفاء من الفلسطينيين وأشقائهم المستهدفين قوس نصرهم المؤزر، فالشعوب الحرة لا تموت، والمحتل والعميل والخائن إلى مزابل التاريخ، والوطني الصامد الحر إلى مرابع التاريخ.