إن استعجال الإنسان في تحقيق طموحاته واندفاعه دون تفكر أو تمعن للوصول أو الحصول على مبتغاه سوف يقوده إلى طرق محفوفة بالمخاطر مزروعة بالأشواك والفخاخ والشراك، فـليس المخاطر بمحمود وإن سلم في المرة الأولى، فتهوره وعجلته ومغامرته إنما هي جزء من طبيعته التي لن تسلمه إلى بر الأمان والسلامة في كل مرة.
يتكون السلم من مجموعة من الدرج المتشابكة والمترابطة ببعضها ضمن قوالب ومساند تستخدم في الصعود إلى الأعلى والهبوط نحو الأسفل، وتربط سطح البيت العلوي بسطحه السفلي، أو طبقات البناء الفوقية بالأرضي، فتتلخص وظيفته في تمهيد أو تيسير الوصول إلى المكونات والمرافق العلوية في أي بناء كان غرضه، وقد هيأت الدرج وصممت المسافة في ما بينها لتتناسب مع خطوات الإنسان الطبيعي في مشيته بدون أن يتكلف أو يجد مشقة في صعوده، بمعنى ضبط المسافة بين الخطوة والأخرى للإنسان العادي في طوله، لذا فإن الصعود المنطقي أو الطبيعي المفضي إلى السلامة، المحقق للغاية في التيسير والتسهيل والراحة الضامن للوصول إلى الطابق الأعلى بنجاح ودون ضرر، يتطلب من الشخص التحرك على السلم درجة إثر أخرى، دون التفكير بمحاولة تخطيها والاستعجال بالقفز عليها وتجاوز بعضها، والأخذ بقاعدة التدرج في الصعود، لأنه متى ما فكر الشخص المرتقي للدرجات الأعلى تجاوز عدد منها في قفزة واحدة فإن تفكيره هذا سوف يقوده إلى نتيجة لا تحمد عقباها كسقوط وانزلاق أو اصطدام وكسر وإصابة… كونه خروجا عن المألوف والطبيعي وجنوحا إلى مغامرة غير محسوبة العواقب، و”المغامرة المحفوفة بالمخاطر يصعب النجاة منها عادة”. ومثلما أن بناء السلم وطبيعته قد صممت على التدرج لتتناسب وتتوافق مع الغاية التي أشرنا إليها، فكذلك حياة الإنسان تأخذ صفة النمو المتدرج المحقق لصلاحه المفضي إلى سلامته ومنفعته، فتكوينا يتدرج هذا المخلوق المكرم من نطفة فعلقة فمضغة في رحم أمه، ومن ثم رضيعا فطفلا فيافعا فشابا فشيخا فكهلا وفقا لمراحل متدرجة تقوده إلى النهاية الموت… وإدراكا للأشياء يبدأ في التعرف عليها تدريجيا في محيطه الضيق مستلقيا في حضن أمه أو سريره وفي أكتاف من يحملونه، ثم في مرحلة ثانية ينطق بأسمائها خطأ، ويمزج بين الخطأ والصواب حتى يستطيع نطقها بشكل واضح ومفهوم، بعدها يتعرف على حقيقتها وخصائصها وأهدافها وأغراضها، وخطوة إثر أخرى متقدمة، وتعليما يتدرج في المعرفة من الإلمام بالحروف الأبجدية مرورا بالأساسيات المرتبطة بحياته وبيئته وعقيدته ولا نهاية للمعرفة، إذ يظل يتدرج في اكتسابها إلى أن يفارق الدنيا، وتنمو خبراته وثقافاته وتتوسع معلوماته مع مرور الأيام من خلال المواقف والدروس والأحداث الحياتية والقراءات والتعليم والمراجعات والحوارات والنقاشات والأسئلة التي تتناول مختلف الأنشطة والتخصصات والحقول والمجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والأدبية والمعيشية والوظيفية والمهارات والأعمال التي لا تعرف الضمور ولا التوقف. والتدرج الهادئ الآمن الملتمس للخطوات في مسيرة الإنسان منهج مستحب يجب أن ينسحب على مختلف جوانب وصور حياته، في اكتساب المال وفي الترقي الوظيفي والمهني وفي نمو عدد أفراد أسرته وفي اكتساب الأصدقاء وتحقيق الأهداف والغايات والطموحات والتطلعات… وكلما توثق إيمان الإنسان بنهج التطور المتدرج والتزم بالسير عليه، وتجنب التهور والمغامرات غير المحسوبة كان ذلك الإيمان فيه الصلاح والخير وبُعد النظر والعمق في التفكير، وفي ذلك الالتزام سلامة له وأمان لمستقبله ومستقبل أسرته. إن استعجال الإنسان في تحقيق طموحاته واندفاعه دون تفكر أو تمعن للوصول أو الحصول على مبتغاه سوف يقوده إلى طرق محفوفة بالمخاطر مزروعة بالأشواك والفخاخ والشراك، فـ”ليس المخاطر بمحمود وإن سلم” في المرة الأولى، فتهوره وعجلته ومغامرته إنما هي جزء من طبيعته التي لن تسلمه إلى بر الأمان والسلامة في كل مرة. إن الإيمان بنهج التدرج في اكتساب المهارات وتحقيق الطموحات وفي كسب المال وفي الترقي الوظيفي وفي غيرها من المسائل التي تشغل بال الإنسان، وتأخذ الحيز الأكبر من اهتماماته، بل وتقض مضاجعه في عصر المادة حيث الهرولة وراء المناصب والوجاهة والمال… تعني الاحتكام إلى العقل وتضمن تحرك الإنسان ضمن الحدود الآمنة، والعمل في إطار ما تسمح به الأنظمة والقوانين وتقره الشرائع والقيم الإنسانية، فالله عز وجل القادر على أن ينشئ الكون في غمضة عين خلقه على مراحل من التدرج بلغت ستة أيام، والتشريع والأحكام القضائية والعقوبات وتحريم الخمر والترقيات في السلم الوظيفي جميعها أخذت صفة التدرج، والنجاح الطبيعي الذي يعمق السعادة والبهجة يحققه الإنسان على هدي من سياسة التدرج ويكتب له البقاء والصلابة؛ لأنه انبنى على قواعد آمنة وبلغه المرء بالجهد والبذل والكفاح، والخطط والبرامج التي تعدها المؤسسات المتخصصة يعتمد تنفيذها على التدرج المراعي للأولويات ومراعاة لأذواق الناس وتهيئة لهم للتعود عليها واستساغتها.
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: اخبار جريدة الوطن