طارق أشقر
كشفت مطالبة منظمة العمل الدولية بضرورة توفير ستمائة مليار دولا ر أميركي (سنويًّا) للقضاء على الفقر بنوعيه المدقع والمعتدل في كافة أنحاء العالم بحلول عام 2030، كشفت عن هشاشة الجهود الرسمية المبذولة عالميا في هذا المجال، فضلا عن انتشار الفقر في المجتمعات الإنسانية خصوصا في الدول النامية.
وما يؤكد ضعف تلك الجهود هو تحديد المبلغ المطلوب بستمائة مليار دولار ( فقط) وهو مبلغ قد لا يساوي سدس ما تنفقه أي من الدول النامية على جهود التسليح والإنفاق على الدفاع وأمن الأنظمة الحكومية في الدول التي يعاني قطاع عريض من مواطنيها من الفقر المدقع.
أما الانتشار الواسع للفقر فقد بدا شديد الوضوح من خلال ما جاء في أحدث تقرير للمنظمة، حيث بين بأن أكثر من 36% من سكان الدول النامية فقراء يعيشون على أقل من ثلاثة دولارات في اليوم، وان 30% من سكان العالم فقراء ويحصلون فقط على 2% من دخل الاقتصاد العالمي.
وكيفما كانت جهود المنظمات الدولية بشأن محاربة الفقر في العالم، فإن بيانات تقرير منظمة العمل تعتبر صادمة ومخجلة لأن نسبة 30% فقراء ليست بالقليلة، وان وجود الفقر بهذا المعدل الكبير في عصر تكنولوجيا الإنتاج الكثيف الذي يؤدي إلى الوفرة، يعني بوضوح بأن الاقتصاد العالمي أقرب إلى فقدان (الأخلاق)! وذلك لأن كثافة انتاج استخدام التكنولوجيا المتطورة، ينبغي ان يترتب عليه التزام الشركات والمؤسسات المنتجة ببرامج محوكمة في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات حكومية كانت أو خاصة، لتنفذ من خلالها برامج متكاملة ومدروسة يكون هدفها استئصال الفقر في المجتمعات المحلية التي تعمل فيها.
وبما ان المنظمة حددت مبلغ الستمائة مليار دولار بشكل سنوي، يكون السؤال عن الكيفية التي ستتم بها معالجة مشكلة الفقر؟ وهل ستتم مخاطبة مسببات الفقر أو نتائجه فقط؟ وحتى لو تمت مخاطبة المسببات، فهل ينبغي ان يتم التركيز على المسببات الاقتصادية التي اساسها عدم أو انخفاض الدخول بمختلف اسبابه؟ أم تسليط الضوء على مسبباته الاجتماعية التي هي أساس المشكلة؟ حيث صنفها الاجتماعيون الاقتصاديون في خمسة مسببات اساسية اطلقوا عليها (المسبب الاجتماعي الثقافي للفقر) وهي تشمل كلا من (الجهل) و(المرض) و(الفساد ) و(اللا مبالاة) و(الاعتماد على الغير).
والمتتبع لمسيرة الكثير من منظمات العون والإغاثة سواء كانت أممية أو حكومية أو طوعية غير رسمية، يجد ان غالبية عملياتها الموجهة لمكافحة الفقر، تعمل بشكل أو بآخر ولربما بدون قصد أو ادراك على تعزيز الفقر واستدامته بدل من اجتثاثه في المجتمعات التي تعمل فيها، حيث تقوم عمليات العون والإغاثة التي تقدمها المنظمات على التأسيس لعنصر (الاعتماد على الغير) الذي يعتبر احد ابرز المسببات الاجتماعية للفقر وذلك من خلال تقديم العون الغذائي بشكل يعتمد عليه الآخرون. في حين ينبغي ان تشتغل تلك المنظمات على (مشروعات اعاشة) تنموية انتاجية تركز على توفير مشروعات إنتاجية صغيرة أو متوسطة فردية أو جماعية يمكنها ان تساعد على استدامة القدرة الإنتاجية في المناطق المستهدفة بالعون.
ولذلك نأمل أن تعمل المنظمات الأممية لو تمكنت من تدبير مبلغ الستمائة مليار دولا سنويا، ان توظفها لمخاطبة الثقافة الاجتماعية للفقر، وذلك عبر محاربة الجهل الذي احسب انه يحتاج إلى اضعاف هذا المبلغ الذي تتحدث عنه منظمة العمل الدولية، ومكافحة المرض عبر توفير الظروف الصحية الملائمة التي اهمها توفير المياه النظيفة ومكافحة مسببات الأمراض كالأوساخ والبعوض، والتي هي اقل تكلفة من مكافحة المرض نفسه، والأكثر اهمية من كل ذلك هي محاربة الفساد المالي والاداري في الدول التي تكبر فيها نسبة الفقر، فإن لم تتم محاربة الفساد لن تنجح اي جهود في محاربة الفقر خصوصا الجهود المالية، لأن أموال محاربة الفقر لن تذهب إلى الميادين المخصصة لذلك، بل ستذهب إلى الجيوب الخاصة وإلى مآلات أخرى.