في أثناء تحضيره لأبحاث نيل درجة الدكتوراه، لم تكن أمام الدكتور حسن البلوي أي مشكلة في البحث. بقدر ما كان لديه استنتاجات وحلول لمشاكل لم تُخلق بعد ولا يعلم عنها أي شيء.!
بدأت القصة مع إنهاء بحث الدكتوراه، حيث كانت الخوارزمية التي يعمل عليها البلوي تتعلق بتعلم الآلة، وكيفية ربطها مع الأجهزة القابلة للارتداء “Wearables”، وكان تركيزه على قراءة إشارات الدماغ ثم تحويلها إلى تطبيق عملي.
وبعد إتمام مراحل التقنية برمجيًا من خلال إعداد المعاجلة و إنشاء خوارزميات تعلّم الآلة ثم تطبيقها على إشارات الدماغ بهدف قياس مستوى النعاس، اتضح له كامل المشروع.
في حينها بدأ البلوي في البحث عن “السوق”. ما هو السوق الذي يهتم بقياس مستوى النعاس و إشارات الدماغ، ما هو أفضل تطبيق لهذا البحث العلمي؟
في العادة تقوم أنت بتطويع التقنية لحل مشكلة قائمة، لكن البلوي قام بخلق التقنية من الصفر ثم بحث عن السوق المناسب لتطبيقها. كما أخبرنا “أنا بدأت بالحل ثم اتجهت للبحث عن المشكلة”
ومن هنا جاء إطلاق شركة ويكّاب “WakeCap“والتي كانت تهدف إلى قياس مستوى النعاس لدى العمال في قطاع البناء والانشاءات.
بعد تمرس البلوي في قطاع ريادة الأعمال وعقد الكثير من اللقاءات في بيئة ريادة الأعمال، لاحظ أن أكثر الاستفسارات التي تأتيه لا تدور حول النعاس.! “كانوا يقولون لي: لا يهم إن كان العامل نعسان أم لا. ما يهمني هو أين مكانه الآن بالضبط”
في قطاع المقاولات تكون مساحة العمل ضخمة جدًا وينتشر أكثر من ألف عامل ضمن مساحة العمل، وعن ذلك التحدي يضرب لنا البلوي هذا المثال “في موقع العمل يكون لديك 1000 عامل منهم 200 عامل تكون مهمتهم هي مراقبة الـ800 الباقين”
ومن هنا تغير نموذج العمل بالكامل بسؤال البلوي لنفسه؛ كيف يمكنني إدخال التقنية إلى قطاع المقاولات والإنشاءات وحل هذه المشكلة الفريدة. “أين مكان العامل الآن”؟
وأثناء تعديل نموذج العمل أطلع البلوي على تجارب الشركات السابقة التي حاولت إدخال التقنية لقطاع المقاولات حتى يتعرف على تلك التحديات في سبيل تجاوزها وتقديم تجربة أفضل منها.
وتكمن تحديات قطاع المقاولات بحسب البلوي في ثلاث تحديات؛ بداية بموقع العمل الإنشائي الذي يتغير بشكل يومي، ثم العامل نفسه وهو أسوأ مستخدم بحسب تعبير البلوي لسببين “العامل لديه الكثير من المهام التي عليه القيام بها ومع كل ذلك تريده أن يرتدي أجهزة قابلة للارتداء ويعطيك مراجعة وتقييم. !، حتى لو فكرت في تدريبة وتحسينه شركات المقاولات ليس لديها القابلية والاستعداد إلى تحمل تكاليف تدريب أكثر من 5000 آلاف عامل.!”
وآخر التحديات هو الهاردوير، بعض الشركات فشلت لأنها قدمت اكسسوارات مثل ساعة أو أسواره أو حتى قلادة لكنها فشلت وتوقفت عن العمل أو حتى فقدها أو نسيها العامل. “لأنها ليست مصممة أصلًا لبيئة وتحديات العمل”.!
وهنا جاءت شركة WakeCap لتقدم حلًا دون التأثير على العمل وذلك عن طريق “خوذة الرأس” التي يرتديها العمال بشكل دائم ولا يمكنهم نسيانها كما أنها تُعد جزًا من لبساهم الرسمي للعمل، حيث تم إدراج قطعة الكترونية ضمن خوذة الرأس. “تأكدنا أنها ثابتة ولا تحتاج إلى زر تشغيل، وتعمل لمدة سنة كاملة دون الحاجة إلى شحنها”. علاوة على ذلك كله لا يتم طلب أي شيء من العامل، “ألبسها وانساها”.
تغلبت WakeCap على هذه التحديات الثلاث من خلال توصيل العامل بموقع العمل دون إدخال أي تعديلات كبيرة على نمط عمل المقاولات بل كان متماشيًا مع نمط عملهم المتغير.
وبهذه السهولة ساعدت المئات من شركات قطاع المقاولات، وقدمت لهم عدة حلول من خلال تحليل بيانات العمال مثل توزيعهم في نقاط العمل، وحمايتهم من الحوادث والحرائق من خلال إرسال إشارة تنبيه، وقياس احصائيات متعددة حول العمال. “كانت تجميع مثل هذه البيانات تأخذ ثلاث أسابيع”
بعض شركات المقاولات لم تبدي أي ترحيب بالفكرة، لكن أهم الشركات الكبرى أبدت حماسًا منقطع النظير لخوذة WakeCap، وعن ذلك يضيف البلوي بحسب تجاربه في قطاع المقاولات “في السوق هناك ثلاث شركات أسوأهم هي تلك الشركات التي لا تعترف بوجود مشكلة من الأصل، هؤلاء لا تضيع وقتك معهم لأنهم في الغالب شركات صغيرة، ثم هنالك شركات كبيرة ولديها معرفة بالمشكلة يرغبون في التجربة، والشركات الأخيرة هي شركات كبرى تعرف المشكلة وحاولت حلها لكنها فشلت، وهذه الشركات الأخيرة كان من السهل عليه إقناعهم بحكم تجاربهم السابقة، وسهلت علينا الحصول على عملاء آخرين بحكم حجمها وسمعتها”
وتقدم Wake Cap منتجات(Hardware) ومعلومات(Information) ، العميل يدفع مقدمًا قيمة المنتج “الخوذ والقطع المطلوبة لتوصيل الموقع” ومن ثم يدفع اشتراك شهريًا او سنويًا على المعلومات التي يحصل عليها عن طريق المنصة.
كيف مولت Wake Cap نفسها؟
تمويل الشركة لم يكن سهلًا، ولكنها بدأت بالتركيز على شركات المقاولات لتجربة المنتج، وحققت نجاحًا مع أحد الشركات بتوقيع شراكة استثمارية والتي ساهمت كثيرًا في تحفيز عدد من المستثمرين في دخول الجولة الاستثمارية الأولية.
قد تبدأ جولة تمويل شركتك الناشئة من خلال محادثة عبر سناب شات، يخبرنا البلوي بأنه تعرف على نبيل النور عن طريق تطبيق سناب شات، ويدير نبيل شركة الاستثمار صندوق قرافين فنتشرز.
“نبيل يُعدّ من أكثر المستثمرين إلهامًا وافادة ومشاركة للنصائح، قابلت نبيل في أمريكا وكذلك في دبي، وقرر نبيل دخول الجولة الاستثمارية الأولى وكان له إسهامات كبيرة في إشراك مستثمرين آخرين وخصوصًا من السعودية”
تم تأمين 106 مليون دولار في الجولة الاستثمارية الأولية لشركة WakeCap، من مجموعة من المستثمرين العالميين منهم شركة البناء (CCC)، وشركة (Graphene Ventures) التي تتخذ من وادي السيليكون مقراً لها، وشركتي ابونيان القابضة، و (Inspire Ventures) ، ومسرعة الأعمال العالمية (SOSV)، ومنصة الابتكار وريادة الأعمال بجامعة نيويورك أبوظبي (startAD)، و (SEDCO Capital).
وحصلت الشركة أخيرًا على براءة اختراع عن كيفية إدخال الحساسات إلى خوذة العامل دون أن تؤثر على الخوذة نفسها.
وتنوي الشركة مستقبلًا التوسع في الخدمة المقدمة بتطوير منصة المعلومات وربطها بخوارزميات ذكية تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لرفع مستوى السلامة وكفاءة العمل في قطاع المقاولات والإنشاءات.
بدأت الشركة بعدد قليل من الموظفين “لم نتجاوز الأربع أشخاص”، والآن لديها 20 موظف، وبدأت بتوصيل 20 عامل فقط قبل سنة واليوم تجاوزت 3000عامل ووصلت إلى أكثر من 200,000متر مربع.
وتُعد الإمارات والسعودية أكبر سوقين لقطاع المقاولات والإنشاءات في الشرق الأوسط، وبحسب ما أعلنت عنه الهيئة السعودية للمقاولين ضمن منتدى المشاريع المستقبلية، فقد بلغت عدد الجهات المشاركة بالعروض 23 جهة استعرضت أكثر من 600 مشروع تجاوزت قيمتها 450 مليار ريال وبمشاركة نحو 1000 من المقاولين والمهتمين بقطاع المقاولات.
الكاتب: سفر عياد، مهتم في مجال التقنية و الاقتصاد.
التدوينة كيف ساعدت شركة “WakeCap” قطاع المقاولات؟ ظهرت أولاً على عالم التقنية.
المصدر: أخبار التقنية