كاظم الموسوي
” تتضمن الاتفاقيات الدولية، منذ اتفاقيات جنيف الأربع نهاية الأربعينات من القرن الماضي وإلى أيامنا هذه، فقرات كثيرة تقر بضرورة توفير ضمانات أساسية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة وحظر العقوبات الجماعية وأعمال الإرهاب والسلب والاعتداء على الكرامة الشخصية وكل ما من شأنه خدش الحياء. ويتمتع الأشخاص الذين قيدت حريتهم بضمانات إضافية،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النازحون في بلدان الوطن العربي هم المهجرون من ديارهم اضطرارا او اكراها او تفاديا لما هو اسوأ وغير متوقع لما حصل ويجري، من حروب داخلية او تهديدات أمنية او صراعات أهلية وغيرها من أشكال احتلال وإبادة وجرائم حرب. وهم الباقون في بلدانهم، داخل الحدود الدولية المعترف بها، ولكن بعيدا عن بيوتهم وسكنهم وأماكن عيشهم وأرزاقهم. ويكثر الحديث عنهم اليوم في أغلب البلدان العربية، من مشرقها الى مغربها. من المناطق الساخنة الى البلدان الباردة نوعا ما، مقارنة بغيرها، ولكن وضع النازحين فيها، في الوطن العربي، كارثيا ومأساة صارخة.. ولطبيعة أوضاع النازحين اعتمد القانون الدولي والمنظمات الدولية والإقليمية على قواعد عمل لحماية النازحين وتوفير ظروف تحترم حقوقهم الإنسانية، ووضعت إرشادات في هذا الشأن، ينبغي إقرارها والتقيد بها في كل الحالات، حتى في فلسطين المحتلة وخصوصية القضية الفلسطينية.
ترى المنظمات المختصة بأن النازحين هم غالبا الأكثر ضعفا وبأمس الحاجة إلى الحماية والمساعدة، ففي أغلب الحالات يفتقر هؤلاء إلى المأوى ويتوزعون بمخيمات كبيرة ومزدحمة ما يشكل تهديدا لهم على الصعيد الصحي إلى النقص الغذائي الذي يتعرضون له والنقص الحاد في مستلزمات الحياة الأساسية من ملبس ومأكل وسكن لائق وتعليم وطبابة، “فضلا عن ظاهرة البطالة نظرا لكونهم نزحوا عن مدنهم التي تتمركز فيها أماكن عملهم وبالتالي لا تتوفر لهم في كثير من الأحيان فرص العمل أو أي مجال إنتاجي أو مصدر رزق. ويزداد الوضع المأساوي للعائلات التي تتعرض للتفكك جراء عدم القدرة على النزوح المشترك، الأمر الذي يزيد في ضعف البنية الاجتماعية. كما تظهر حالات الاستغلال الاجتماعي لهذه الفئة التي تكون أكثر عرضة للاعتداءات الجسدية من ضرب وقتل بالإضافة إلى الاغتصاب وغيره من وسائل التعنيف الجسدي والمعنوي الذي يظهر أحيانا من خلال رفضهم وعدم قبولهم وإقصائهم عن الحياة الاجتماعية، ناهيك عن المعاناة التي يتعرضون لها في حالات النزاع المسلح”.
لهذا عقدت مؤتمرات وندوات لمعالجة تفاقم أوضاع النازحين وتدهورها وسعت لحلول ومناشدات، داخل البلدان وخارجها استهدفت قضية النزوح وحماية النازحين والعمل على معالجتها بما يوفر للنازحين حقوقهم المشروعة. هذا ما حصل في العراق مثلا، وقد أصبحت قضية النزوح محنة خطيرة وأعداد النازحين فيها تجاوزت الملايين وفي ظروف قاسية وصعبة. ومن بين توصيات مؤتمر رسمي عراقي بحضور رؤساء او ممثلي السلطات والشخصيات المعنية، جاء فيها: في المحور القانوني، مطالبة الحكومة والبرلمان بتأسيس الهيئة العليا للكوارث والأزمات وتسليط الضوء على مشكلة النازحين من خلال الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة ومجلس حقوق الانسان في جنيف. وفي المحور الانساني، طالب المؤتمر بزيادة التخصيصات المالية للهجرة والمهجرين لمساعدة النازحين والتنسيق مع الامم المتحدة ووكالاتها لزيادة مساعدة النازحين، لاسيما النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة ومطالبة المؤسسات المعنية بمعالجة الآثار النفسية للنازحين. اما في المحور الاقتصادي، فقد دعا الى “دعم المحافظات التي استضافت النازحين بموازنة خاصة بما يساعدها في تأمين ما يحتاجونه من مساعدات إنسانية ومطالبة الحكومة والأمم المتحدة بإنشاء مشاريع تشغيلية بمخيمات النازحين لخلق فرص عمل لهم”. اما المحور الأمني، فطالبت اللجنة بـ”تعزيز إجراءات الأمن في أماكن النازحين وتوفير ممرات آمنة بالمناطق التي تشهد عمليات عسكرية لإخلاء المدنيين ومطالبة المؤسسات الأمنية بإصدار قاعدة بيانات لكافة النازحين”. وحول المحور الإعلامي، طالبت اللجنة نقابة الصحفيين بـ”تسليط الضوء على جريمة التهجير القسري ودعوة المؤسسات الإعلامية والدولية المهتمة بحقوق الإنسان بنقل حقيقة النازحين التي ارتكبها داعش والتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة لتقديم برامج تثقيفية للنازحين وتخفيف معاناتهم النفسية”. ومثل هذه التوصيات العامة والقرارات التي صدرت من أوضاع خاصة نوقشت أيضا في مؤتمرات واجتماعات حول اوضاع النازحين في بلدان اخرى وفي عواصم اخرى، تحت عناوين البحث عن حماية النازحين ومساندتهم ودعمهم إنسانيا واقتصاديا وحقوقيا. ( خاصة في عواصم أوروبية لها أهداف سياسية ومصالح وضغوط باتت معلومة لمن يحضر مثل هذه المؤتمرات أو اللقاءات ومسمياتها المخادعة)، وفي كل ما تم تبقى سرعة التنفيذ والشفافية والصدق والإخلاص والأمانة هي المعايير في النتائج المطلوبة. وتولت منظمات حقوقية ومدافعة عن حقوق الإنسان متابعة كثير من هذه الفعاليات وسلطت الأضواء على كثير من الممارسات غير القانونية أو المعاكسة لأهدافها، والتي تكشف في الأخير مستويات من الاستغلال الاجتماعي أو السياسي لمثل هذه القضايا واستثمارها لمآرب غير إنسانية بكل الأحوال.
من جهتها لعبت الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها ومنظمة الصليب الأحمر ومنظمة الهلال الأحمر وغيرها دورا كبيرا في قضية النازحين ومحاولات حمايتهم وإصدار التعليمات والقرارات والاتفاقيات بشأنهم. وتحملت إضافة الى السلطات المركزية والمحلية أمور مساعدة النازحين في التأقلم مع وضعهم الجديد وفي تقديم النصائح والإرشادات وكذلك من خلال المساعدات الطبية والعينية والتعليمية والتثقيفية والترفيهية. وأسهمت في نشر الوعي بين النازحين داخليا، خصوصا الأطفال والنساء من خلال تعريفهم على حقوقهم وواجباتهم وطرق الحماية الواجب إتباعها والمساعدة في الاندماج مع محيطهم الجديد، ولاسيما في الاماكن التي تطول فيها اسباب نزوحهم.
تتضمن الاتفاقيات الدولية، منذ اتفاقيات جنيف الاربعة نهاية الاربعينات من القرن الماضي والى ايامنا هذه، فقرات كثيرة تقر بضرورة توفير ضمانات أساسية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة وحظر العقوبات الجماعية وأعمال الإرهاب والسلب والاعتداء على الكرامة الشخصية وكل ما من شأنه خدش الحياء. ويتمتع الأشخاص الذين قيدت حريتهم بضمانات إضافية، كما يتمتع المرضى والجرحى، والنساء والأطفال، والكنوز الاثارية وأماكن العبادة بالاحترام والحماية الخاصة. وتشمل فقرات وافية من الاتفاقيات والملاحق والبروتوكولات الخاصة او المطورة لها وضوحا لما يتوجب القيام به لحماية النازحين وتوفير كل ما يتفق مع حقوقهم كمواطنين مدنيين.
رغم ذلك فان محنة النازحين في الوطن العربي تفاقمت كثيرا وأصبحت من القضايا المهمة والبارزة على صعيد المشهد السياسي والاهتمام الإنساني والقانون الدولي الإنساني والدساتير وتعليمات أو مؤشرات دولة القانون والحكم الرشيد والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان.